حسان الصالح – مدير جمعية نفس.
حين جئت إلى فنلندا لاجئاً عام 2015، كان التوتر وتراشق التهم والتصريحات المثيرة للجدل على أشده داخل المجتمع الفنلندي وبين الأحزاب المتنافسة والمنتمين إليها، فقسم يرحب باللاجئين ،وهو الأكثرية، لأسباب يعددها ويدافع عنها وآخر رافض لاستقبالهم معدداً أسبابه ومدافعاً عنها وهو أقلية. وهي نسبة متغيرة وليست ثابتة.
لقد انتشرت ثقافة الكراهية على الرغم من حماية الدستور الفنلندي والقوانين الفنلندية للحريات الإنسانية حيث لا يجوز التمييز ضد أي شخص بسبب العمر أو الأصل القومي أو العرقي أو الجنسية أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو التوجه الجنسي أو لأي سبب آخر يتعلق بسبب آخر له علاقة بالشخص، ويمنع التمييز بسبب الجنس. وفقاً لقانون المساواة، فيتوجب على السلطات وأرباب العمل والمؤسسات التعليمية أن تعمل على تعزيز التكافؤ والمساواة فيما بين الرجال والنساء. كما أنه للجميع الحق في معاملة متكافئة ومنصفة. لا يجوز معاملة أي شخص بطريقة مختلفة بسبب الجنس أو العمر أو الدين أو الإعاقة ولكل شخص الحق في أن يقول ويكتب رأيه بحرية، كل شخص لديه الحق في حماية الخصوصية. فلا يجوز قراءة رسالة الشخص الآخر ولا يجوز الاستماع لمكالمة الشخص الآخر. كما يحق لكل شخص بأن يختار دينه الخاص به بنفسه، وإذا لم يكن يرغب بذلك، فلا حاجة إلى اختيار أي دين.
هذه الحقوق يكفلها الدستور الفنلندي لكل شخص على الأرض الفنلندية سواء كان مقيماً أو لاجئاً أو مواطناً أو غريباً أو عابراً.
نشرت الـ BBC البريطانية تحقيقاً في 9 سبتمبر 2015 بعنوان ” كيف تتعامل فنلندا مع أزمة المهاجرين؟” جاء فيه:
( خطاب الكراهية
وهناك الكثير من القصص على مواقع التواصل الاجتماعية، لا يعرف إذا كانت حقيقية، بشأن هجمات ينفذها مهاجرون. ويجري تداول هذه القصص على نطاق واسع، لكن لا يوجد أي تأكيد لهذه الهجمات في وسائل الإعلام الفنلندية.
وفي مدونة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مكتوبة في السادس من سبتمبر/أيلول وصف رجل من غرب فنلندا اعتداء مزعوما لمهاجرين على فتاتين، 12 عاما.
وقالت المدونة : “هؤلاء الأشخاص من طالبي اللجوء وهم لا يحملون أوراقا ولا تعرف السلطات أي معلومات بشأنهم”.
وتداول المدونة أكثر من ألفي شخص وجذبت تعليقات كثيرة مناهضة للمهاجرين.
كما نظمت العديد من المسيرات المؤيدة لتعدد الثقافات في مدن فنلندية، منها واحدة نظمت في أعقاب تعليقات أولي إيمونين في يوليو/تموز، وجذبت الآلاف إليها في هلسنكي.
ولا تخلو الصفحات الأولى للصحف المحايدة في فنلندا من موضوع الهجرة حاليا، وتركز المقالات بشدة على محنة المهاجرين والعمل لمساعداتهم.
وعلى مواقع الإنترنت تزداد أصوات مؤيدة للهجرة في فنلندا مقارنة بالأصوات المعارضة.
وسوف تعقد في 12 سبتمبر/أيلول مسيرة لاستقبال المهاجرين في العاصمة، جذبت حتى الآن أكثر من 4300 شخص على الفيسبوك.
كما جذبت صفحة أخرى على الفيسبوك بعنوان “كنت لاجئا من قبل” أكثر من 17 ألف معجب بالصفحة وهي تضم قصصا لأناس كانوا لاجئين وما يفعلونه حاليا في فنلندا.)
ومن جانب آخر فرضت الجاليات العربية والمسلمة الموجودة في فنلندا على نفسها عزلة اختيارية أبعدتها عن محيطها الاجتماعي، وقد توفرت لهم كل إمكانيات الاإنعزال بسبب الأعداد الكبيرة من المقيمين منهم وخاصة في العاصمة هلسنكي، يمكن للمهاجر من أصول شرق أوسطية أن يعيش حياة كاملة دون حاجة للتواصل مع محيطه الاجتماعي، فقد تمكنت الجاليات من إيجاد كتل وكيانات منفصلة ومستقلة اجتماعياً.
كما تظهر الانتماءات السياسية والفكرية والدينية كمشكلة تقف عائقاً أمام اللاجئين في تواصلهم مع المحيط الاجتماعي وتواصلهم بين أنفسهم، كعدم تواصل المتدينيين مع الليبراليين، وعدم تواصل المتدينيين بين أنفسهم لانتماءهم لإيولوجيات دينية مختلفة أو مذاهب أو طوائف مختلفة.
وتأتي اللغة الفنلندية وصعوبة تعلمها كعائق كبير في التواصل بين اللاجئيين والمحيط الاجتماعي.
لكل ذلك أعتقد أنه علينا كعاملين في الحقل الثقافي أن ندق ناقوس الخطر وعلينا أن نبني جسور التواصل الثقافي بين المجتمعات التي تعيش على أرض فنلندا.
إن التواصل الثقافي يشكل ركيزة الحياة الاجتماعية ومشاركة الأفراد في مضمون ومعنى الثقافة الإنسانية الواسعة والمتنوعة. يعيش الفرد عبر اللغة والإشارة والمعنى والدلالات المرافقة لها في حياته اليومية عبر منظومة من المفردات تؤسس لفهمه المشترك مع الجماعة وتجعله واحداً منهم وحاملاً لثقافتهم. يمكن للتواصل الثقافي أن يوسع الدائرة الاجتماعية لتشمل بدلاً من ثقافة واحدة ثقافات متنوعة. هذا هو دورنا ولذلك تأسست نفس.